النول .. حرفة الأجداد في أيدي الأحفاد

2022-07-19


أحمد الدريملي – غزة .

بينما ينهمر محمد الدريملي الذي يعيش مع أسرته البسيطة والمتواضعة  في دراسته المتراكمة عليه طوال السنة استعداداً للامتحانات النهائية للصف العاشر ثانوي ، ينادي عليه والده للذهاب لعمله "النول"  الذي هو بداخل المنزل أصلاً وبعد جدال طويل ومرهق يقوم الشاب محمد بالتوفيق بين عمله وانهاء منهج سنة دراسية كاملة بيوم الامتحان ، لا سيما محمد طالب مجتهد وذكي ويقوم هو ووالده بإعالة الأسرة وتوفير احتياجاتها . 

" النول حرفة قديمة وأثرية "

وتندرج حرفة النول في اطار الصناعة اليدوية وقد تطورت هذه الصناعة واستخدمت النول للحياكة، أما الصوف فكان أول مادة استعملت في الغزل والحياكة وقد تميز النول ببصمة فنية خاصة أعطته هويته الشخصية، فهو لا يشبه من حيث الوظيفة النول العربي الذي يحيك صوف الغنم، بل يتخصص بالدرجة الاساسية في صناعة السجاد البدوي وبيوت الشعر وأغطية الطاولات المزينة بالخيوط والنقوش الشرقية، إضافة إلى الرسمات والاشكال الهندسية الفنية التي غالباً ما تُصدر للخارج ، بسبب ضعف الاقبال الشرائي عليها في البلاد .

ويستخدم الحرفيون آلة "النول" اليدوية في صناعة السجاد والبسط، وهي الأداة الرئيسية المستخدمة في غزل السجاد، وهو جهاز خشبي غير آلي يحتوي على خيوط مصفوفة بشكل متوازي ، وتعلوه قطعة خشبية تسمى المشط، وتعمل على تشبيك الخيوط بعضها ببعض بشكل متساوٍ ومتلاصق تماماً دونما إحداث فراغ أبداً، كما يحتوي النول على قطعة خشبية أخرى تسمى المطواية ، تعمل على لف السجاد .

 "حرفة النول حاضرة في كل مكان وزمان "

وفي حديثنا مع الشاب محمد يقول انه نشأ وترعرع على هذه الحرفة فعندما كان صغيراً كان جده واعمامه يعملون بها وجده قام بأخذها أيضاً عن اجداده ، اما محمد فهو يعمل بها منذ ارتياده المرحلة الثانوية والأن هو على مشارف التخرج من الجامعة ولا يزال يعمل بها أيضاً ويضيف " افتخر لأنني اعمل بهذه الحرفة لأنها تراثي وتراث اجدادي واللي مالوش ماضي عالفاضي " .

ويستكمل معنا والد محمد قائلاً : إن هذه الحرفة هي مصدر رزق العائلة فمنذ ان كنت شاباً وانا اعمل لدى والدي انا واخوتي حيث كان والدي يقوم ببيع ما كنا ننتجه في اسواق مدن الضفة والقدس و الاراضي الفلسطينية المحتلة وكان هناك اقبال شديد على هذه المنتوجات وكان دائماً ما يزورنا اجانب يريدون التعرف على هذه الثقافة وهذا التراث حتى ويشترون منا وكان لهذه المنسوجات اليدوية التراثية قيمتها العالية والثمينة .

وتابع: "رغم انتشار السجاد المستورد من دول عديدة، خاصة الصين وتركيا وإيران، فإن السجاد اليدوي الفلسطيني الذي عمره أكثر من 5000 عام، لا يزال يتربع على عرش الجودة والجمال والتراث على مستوى فلسطين والدول العربية، وسجادنا وصوفنا الذي تنتجه عائلتنا على مدار السنوات الماضية ، تجاوز الانتشار والتوزيع والبيع في الدول العربية؛ بل وصل إلى العديد من العواصم الأوروبية .

وختاماً ان حرفة النول فعلياً تقاوم الموت والاندثار ، حتى بات لا يوجد بالقطاع أو على مستوى فلسطين من يعمل بها نظراً لصعوبتها ومتطلباتها الكبيرة من الجهد وان الحفاظ على فلسطينية التراث والاهتمام به وظيفة ومسؤولية تقع على عائق الفرد والمجتمع والدولة فهو يعتبر الهوية الشخصية للمجتمع ككل ويعبر عند مدى رقي المجتمع وتقدمه وكما جاء في كتب التاريخ من لا ماضي له لا حاضر له ولا مستقبل .